ماذا لو وصل سعر البيتكوين إلى 200 ألف دولار أمريكي؟
تخيل عالمًا ترتفع فيه قيمة البيتكوين بسرعة، لتتجاوز حاجز الـ200 ألف دولار أمريكي. لن تكون هذه الزيادة الهائلة مجرد عنوان رئيسي آخر في عالم تداول العملات المشفرة، بل ستؤدي إلى تحوُّل كبير في المشهد المالي العالمي. لقد علَّمَنا التاريخ أن أي تقلبات مالية كبيرة قد تؤدي إلى ما يعرف بـ تأثير الدومينو، مما يسهم بتغيير النسيج الاقتصادي في جميع أرجاء العالم. وهذا ما يحدث نوعاً ما في سوق البيتكوين.
يرتفع سعر عملة البيتكوين بشكل كبير وعلى نحو سريع ما يؤدي إلى زعزعة النظام المالي العالمي وإملاء استراتيجيات اقتصادية جديدة
ستتأثر الدول التي تمتلك احتياطيات كبيرة من البيتكوين بهذا التغيير بشكل مباشر. ومع ارتفاع قيمة أصولها إلى حد يفوق الخيال تصبح لديها الموارد اللازمة لتغيير سياساتها في التعامل مع إدارة الديون الوطنية والاستراتيجيات الاقتصادية. وبدلًا من الاعتماد على المقرضين العالميين بشكل دائم مثل صندوق النقد الدولي أو البنك الدولي، ستتمكن هذه الدول من الاستفادة من ثرواتها المكتشفة حديثاً لتعويض الديون الوطنية وإنقاذ المؤسسات المتعثرة.
ظرف غير مسبوق كهذا قد يأتي بتأثيرات بعيدة المدى على التمويل العالمي إذ لن يكون الأمر مجرد تجارة كالمعتاد. فمع خضوع الديون العالمية لعملية إعادة تفاوض وإعادة هيكلة واسعة النطاق قد تتزعزع الديناميكيات التي اعتدنا عليها، مما يشكل تحدياً من نوع آخر لقيمة العملات الإلزامية التقليدية ومفهومها، ويمكن أن تهدِّد عرش الدولار الأمريكي باعتباره العملة الاحتياطية الأساسية في العالم.
ونتيجة لهذا التغيير الجذري، سوف تضطر أبرز الاقتصادات في العالم إلى إعادة تقييم اتجاهاتها المالية. إذ لن تقتصر الجهود على بعض التغيرات السطحية فحسب؛ بل ستحتاج هذه القوى الاقتصادية إلى إعادة هيكلة بنيتها المالية الأساسية لتأخذ في الاعتبار التأثير المضاعف الناجم عن ارتفاع قيمة عملة البيتكوين.
لم تعد البيتكوين عملة غريبة بل بدأت في التحوُّل إلى الذهب الرقمي الجديد، ما دفع الحكومات إلى إعادة التفكير في سياساتها النقدية وإعادة تعريفها لتحقيق الاستقرار في تدفق العملات المشفرة الصادر والوارد. ولن يقف النظام المصرفي التقليدي بدوره متفرِّجاً بل سيتحوَّل من التعامل مع الاحتياطيات النقدية المادية إلى إدارة احتياطيات البيتكوين.
إن تحولاً جوهرياً من هذا النوع سيطلق على الأرجح سلسلة ردود أفعال عالمية تؤدي بدورها إلى ظهور ممارسات جديدة فقد تصبح القروض وأنظمة الائتمان المعتمدة على العملات المشفرة – على سبيل المثال – هي الوضع الطبيعي الجديد، الأمر الذي يمثل نهاية عصر النقود الورقية التقليدية.
المسارعة في التعدين، وإعادة تعريف توزيع الثروات، وتمكين المنظمات المستقلة اللامركزية (DAOs)
سيؤدي الارتفاع المفاجئ في قيمة البيتكوين إلى توجه ضخم نحو أجهزة تعدين البيتكوين، ما يخلق طلبًا غير متوقع على المكوِّنات الأساسية. من الممكن أن تشهد الدول التي تمتلك كميات هائلة من الطاقة المتجددة تهافت شركات التعدين على شواطئها للاستفادة من الطاقة المستدامة الأرخص ثمنًا، ما يؤدي إلى إعادة تنظيم أسواق الطاقة العالمية.
قد يشهد المشهد الاجتماعي والاقتصادي بدوره تغيرًا جذريًّا أيضًا. يمكن أن يؤدي الارتفاع الهائل والسريع لسعر البيتكوين إلى ظهور فكرة توزِّع فيها دولة أو مجموعة من الدول جزءًا صغيرًا من عملة البيتكوين على كل مواطن. يهدف هذا المفهوم المبتكر للدخل الأساسي الرقمي العالمي إلى تضييق فجوة التفاوت في الثروات من خلال منح الجميع حصة في الاقتصاد الرقمي العالمي.
علاوةً على ذلك، ستكتسب المنظمات المستقلة اللامركزية (DAOs) قوةً غير مسبوقة. ستبدأ هذه الهيئات المتسمة بالشفافية القائمة على سلسلة الكتل في تحدي هياكل الحوكمة التقليدية ومساءلتها. ويمكن أن تستخدم الدول أو المجتمعات الصغيرة المنظمات المستقلة اللامركزية في الإدارة العامة، ما يخلق شكلًا جديدًا تمامًا من الحوكمة المعتمِدة على سلسلة الكتل. ومن الممكن أن يؤدي هذا الهيكل الثوري إلى عمليات صنع قرار وخدمات عامة أكثر خضوعًا للمساءلة والديمقراطية، والتي تتأثر مباشرة بإجماع المواطنين.
ثورةٌ مالية
في ظلِّ هذا الواقع الجديد، لن يشير بيان وصول قيمة البيتكوين إلى 200 ألف دولار أمريكي إلى طفرة مالية فحسب، بل سيكون مؤشرًا على ثورة عميقة من شأنها أن تغير الطريقة التي ننظر بها إلى النظام البيئي المالي العالمي ونتفاعل بها معه.