ماذا لو... حلَّ اليوان الرقمي محلَّ الدولار الأمريكي كعملة عالمية مهيمنة؟
في الوقت الراهن، يحمل الدولار الأمريكي (USD) لقب العملة المهيمنة في التجارة الدولية. وتمنح هذه الهيمنة للولايات المتحدة مزايا اقتصادية واستراتيجية كبيرة. لكن، ماذا لو فقدت العملة الاحتياطية الأساسية في العالم والوسيلة القياسية للمعاملات المالية الدولية والتجارة العالمية هذه المكانة في يوم من الأيام؟
تكتونيَّات العملة: الانتقال من هيمنة الدولار إلى تزايد انتشار اليوان
ستظهر التأثيرات الأولى في الميزانيات العمومية للبنوك المركزية في العالم. يغيِّر التحوُّل المزلزل في العملات الاحتياطية بنية النظام النقدي الدولي، وهو ما يؤدي إلى إعادة موازنة المحافظ الاستثمارية. وستتجه البنوك المركزية العالمية، التي تسعى إلى الحفاظ على السيولة المثلى، نحو زيادة حيازاتها من اليوان. يؤدي هذا التنويع إلى خفض قيمة الدولار، مع انخفاض الطلب عليه في أسواق الصرف الأجنبي، مما يؤدي إلى تقلبات في الاستثمارات الدولية وأسواق الصرف الأجنبي.
ثم تظهر مرحلة لاحقة: إعادة هيكلة أسواق السلع الأساسية في جميع أنحاء العالم. عندها ستشهد دول مثل أستراليا، التي تتمتع بعلاقة تجارية ضخمة مع الصين في صادرات المواد الخام بصورة أساسية، انخفاضًا كبيرًا في تكاليف تحويل العملة، كما ستتمتع بمزيد من المعاملات المباشرة عن طريق تسعير السلع باليوان. وهو ما سيؤدي إلى مراجعات لاتفاقيات التجارة الدولية القائمة، مما يؤثر في دول مثل البرازيل مباشرةً، وهي مصدِّر الصين الرئيسي لفول الصويا وخام الحديد من خلال تعزيز كفاءة التجارة وفعالية التكلفة بالنسبة للمصدِّرين البرازيليين. إلا أن هذه الفوائد ستواجه تحديات متمثلة في عدم ثبات قيمة اليوان، الذي يمكن أن يتأثر بتغيرات السياسة المحلية داخل حدود الصين أو بالتحوُّلات في ثقة المستثمرين العالميين.
فعلى سبيل المثال؛ قد تضطر الشركات الزراعية البرازيلية، استجابةً لعدم استقرار سعر صرف اليوان، إلى زيادة استخدامها للصكوك المشتقة مثل العقود الآجلة للعملة المرتبطة باليوان. ومن الممكن أن تسمح لهم هذه المنتجات المالية بتثبيت أسعار الصرف للمعاملات المستقبلية، وهو ما سيؤدي بالتالي إلى استقرار التدفقات النقدية والحماية من الانخفاض المفاجئ في قيمة اليوان الذي قد يؤدي إلى تناقص هوامشهم التجارية. وفي أسواق المعادن، تستطيع شركات التعدين الكبرى في البرازيل التفاوض على عقود مع شركات تصنيع الصلب الصينية لتتضمن فقرات مرتبطة باليوان، ومن ثم ستتمكن من التحوُّط من مخاطر العملة مباشرة ضمن اتفاقيات المبيعات الخاصة بها. ستصبح مثل هذه الابتكارات المالية بالغة الأهمية لحماية السلامة المالية للشركات التي تواجه الضغوط المزدوجة المتمثلة في الأسواق العالمية التنافسية والعجز عن التنبؤ بالعملة.
إعادة تشكيل التمويل العالمي بدءًا من ممارسات الإقراض وحتى التحالفات الاقتصادية
في المقابل، سيحدث تحوُّل كامل في ممارسات الإقراض الدولية. فمع اكتساب السندات المقوَّمة باليوان مكانة جذابة، سيعاد تشكيل مشهد جمع رأس المال. تواجه الدول والشركات التي تسعى للحصول على الأموال بيئة أسعار فائدة متغيرة بسبب السياسات التي وضعها بنك الشعب الصيني (PBOC). ومن شأن هذا التحول أن يعيد توزيع مراكز القوة المالية على المراكز المالية في الصين مثل شنغهاي وشنتشن، مع ما يترتب على ذلك من عواقب وخيمة على الاستثمار العالمي وتمويل التنمية. مع انخفاض تأثير مصادر التمويل الغربية، وهو ما يؤدي إلى إعادة تنظيم برامج التنمية العالمية، خاصةً في المناطق التي تمسها مبادرة "الحزام والطريق الصينية" بالفعل.
وسيعجِّل هذا التحوُّل بإصلاح البنية التحتية المالية العالمية. وأصبحت الأنظمة التي كانت مصمَّمة في السابق لمعاملات الدولار مثل SWIFT، تتطلب الآن إعادة معايرة لتسهيل عملية دمج اليوان بسلاسة. كما تم فرض بروتوكولات جديدة للتسوية، والمقاصة، والامتثال التي ينبغي للمؤسسات المالية اعتمادها، في حين أن الحاجة إلى تطوير التكنولوجيا القادرة على إدارة أنظمة العملة المزدوجة خلال هذه الفترة الانتقالية تمثل تحدياتٍ كبيرة.
إعادة التوجِيه الاقتصادي
في النهاية، يبشِّر الصعود الكامل لليوان بعصر من إعادة التوجيه الاقتصادي. وبدأت الأسواق العالمية، التي ساورتها شكوك كبيرة خلال الفترة الانتقالية، تتكيف مع مناخ العملة الجديد. كما تجد الدول والشركات نفسها أنها تتعامل مع اقتصاد أصبح فيه الاعتماد على السياسات الاقتصادية والقرارات التنظيمية في الصين ذا أهمية متزايدة. والآن، أصبح استقرار الاقتصاد العالمي معتمدًا على أداء السوق في الصين، الأمر الذي يستلزم إعادة تصوُّر الاستراتيجيات الاقتصادية والتحالفات الدولية.